( الصفحة 310 )
ومنها : ما يجب بعد العجز عن غيره وهي كفّارة الظهار وكفّارة قتل الخطأ; فإنّ وجوب الصوم فيهما بعد العجز عن العتق . وكفّارة الإفطار في قضاء شهر رمضان ; فإنّ الصوم فيها بعد العجز عن الإطعام . وكفّارة اليمين ; وهي عتق رقبة ، أو إطعام عشرة مساكين ، أو كسوتهم ، وإن لم يقدر فصيام ثلاثة أيّام 1 .
هناك إجماع على الإطلاق ، وإلاّ فإثباته في غاية الإشكال(1) .
أقول: ويؤيّد الإطلاق ـ مضافاً إلى إرسال مثل المحقّق للمسألة إرسال المسلّمات ، وإلى أنّه لم ينقل الخلاف في شيء من فروضها من أحد ـ أنّ ظاهر قوله ـ تعالى ـ : { وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ و جَهَنَّمُ خَــلِدًا فِيهَا}(2) عدم تحقّق التوبة للقاتل بمجرّد القصاص، فهل يمكن الالتزام بأنّ قتل الوالد لولده مثلا مستثنى من هذه الآية؟
نعم ، يبقى شيء ; وهو أنّ ظاهرهم في كتاب القصاص عدم ثبوت غيره في قتل العمد ، إلاّ أن يقال بأنّهم اعتمدوا في ذلك على بيان ثبوت الكفّارة أيضاً في كتاب الصوم ، كما صنعه في المتن وما يشابهه .
وأمّا الاحتياط الوجوبي في كفّارة الإفطار بمحرّم في شهر رمضان ، فقد تقدّم بحثه في باب ما يمسك عنه الصائم (3)، فراجع .
1ـ أمّا كفّارة الظهار : فمقتضى الآية الشريفة الواردة ترتّب صوم شهرين متتابعين على العتق ، قال الله ـ تعالى ـ : { وَ الَّذِينَ يُظَـهِرُونَ مِن نِّسَآلـ ِهِمْ ـ إلى قوله تعالى : ـفَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ}(4) إلخ . وقد وردت بذلك عدّة
- (1) المستند في شرح العروة 22 : 231 ـ 232 .
(2) سورة النساء 4 : 93 .
(3) في ص 153 ـ 157 .
(4) سورة المجادلة 58 : 3 ـ 4 .
( الصفحة 311 )
كثيرة من الروايات (1) . نعم، في عدّة اُخرى منها عطف هذه الخصال بلفظة «أو»(2)الظاهرة في التخيير دون الترتيب .
هذا، ولكن صراحة الآية المباركة والطائفة الأُولى من الروايات في الترتيب يمنع عن الأخذ بها ، ولا يبقي مجالا للجمع ، فاللازم التصرّف في الطائفة الثانية وحمل كلمة « أو » على بيان الأقسام، لا الترتيب في العمل . ومثله كثير في الاستعمالات .
وأمّا كفّارة قتل الخطأ : فمقتضى الآية الشريفة الواردة فيها(3) ترتّب الصيام على العتق . نعم ، الآية خالية عن التعرّض للإطعام ، إلاّ أنّ النصوص المتعدّدة دالّة علىثبوتها(4) ، وقد نسب إلى المفيد والسلاّر(5) التخيير ، وليس لهما مستند بوجه .
وأمّا كفّارة الإفطار في قضاء شهر رمضان : فقد مرّ عن قريب (6).
وأمّا كفّارة اليمين : فصريح الآية المباركة الواردة فيها لزوم صيام ثلاثة أيّام(7) مع العجز عمّا يجب أوّلا . نعم ، في موثّقة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : سألته عنشيء من كفّارة اليمين ؟ فقال : يصوم ثلاثة أيّام . قلت : إن ضعف عن الصوم وعجز . قال : يتصدّق على عشرة مساكين(8) . ولكنّها ـ مضافاً إلى ضعف سندها ـ محمولة
- (1 ، 2) وسائل الشيعة 22 : 303، كتاب الظهار ب 1 ، وص359 ـ 362، كتاب الإيلاء والكفّارات، أبواب الكفّارات ب1 .
(3) سورة النساء 4 : 92 .
(4) وسائل الشيعة 22: 374، كتاب الإيلاء والكفّارات، أبواب الكفّارات ب10 ح1 ، وج29: 34، كتاب القصاص، أبواب القصاص في النفس ب11 ح4.
(5) المقنعة : 570 ، المراسم العلويّة : 190 .
(6) في ص 297 ـ 299 .
(7) سورة المائدة 5 : 89 .
(8) الكافي 7 : 453 ح 11 ، تهذيب الأحكام 8 : 298 ح1104 ، الاستبصار 4 : 52 ح 180 ، وعنها وسائل الشيعة 22 : 377 ، كتاب الإيلاء والكفّارات ، أبواب الكفّارات ب 12 ح 6 .
( الصفحة 312 )
وكفّارة خدش المرأة وجهها في المصاب حتّى أدمته ونتفها رأسها فيه . وكفّارة شقّ الرجل ثوبه على زوجته أو على ولده ; فإنّهما ككفّارة اليمين . وكفّارة الإفاضة من عرفات قبل الغروب عامداً ; فإنّها ثمانية عشر يوماً بعد العجز عن بدنة 1 .
وكفّارة صيد المُحرم النعامة ; فإنّها بدنة ، فإن عجز عنها يفضّ ثمنها على الطعام ، ويتصدّق به على ستّين مسكيناً لكلّ مسكين مدّ على الأقوى ، والأحوط مدّان ، ولو زاد عن الستّين اقتصر عليهم ، ولو نقص لم يجب الإتمام ، والاحتياط
على مثل ما في الوسائل من حمل الإطعام هنا على ما دون المدّ ، فلا ينافي الإطعام الواجب قبل الصيام ، وعلى تقدير بعده فاللازم ردّ علمه إلى أهله .
1ـ أمّا ثبوت كفّارة اليمين في الفرعين الأوّلين: فهو المعروف المشهور(1) ، والتقييد ـ أي تقييد الخدش بالإدماء ـ وإن كان مخالفاً لإطلاق الأصحاب ، إلاّ أنّه قد ورد به النصّ . ونسب الخلاف إلى ابن إدريس(2) ، فأنكر وجوب الكفّارة في المقام ، لكنّ المحكي عن الجواهر(3) إنكار هذه النسبة ، وقد نسب الخلاف إلى صاحب المدارك(4) .
ومستند الحكم رواية خالد بن سدير أخي حنان بن سدير قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل شقّ ثوبه على أبيه ـ إلى أن قال : ـ وإذا شقّ زوج على
- (1) رياض المسائل 11 : 246 ، جواهر الكلام 33 : 186 ، المستند في شرح العروة 22 : 238 .
(2) السرائر 3 : 78 .
(3) جواهر الكلام 33 : 186 .
(4) مدارك الأحكام 6 : 243 .
( الصفحة 313 )
بالمدّين إنّما هو فيما لا يوجب النقص عن الستّين ، وإلاّ اقتصر على المدّ ويُتمّ الستّين ، ولو عجز عن التصدّق صام على الأحوط لكلّ مدّ يوماً إلى الستّين ، وهو غاية كفّارته ، ولو عجز صام ثمانية عشر يوماً .
وكفّارة صيد المُحرم البقرَ الوحشيّ ; فإنّها بقرة ، وإن عجز عنها يفضّ ثمنها على الطعام ، ويتصدّق به على ثلاثين مسكيناً لكلّ واحد مدّ على الأقوى ، والأحوط مدّان ، فإن زاد فله ، وإن نقص لا يجب عليه الإتمام ، ولا يحتاط
امرأته ، أو والد على ولده فكفّارته حنث يمين ، ولا صلاة لهما حتّى يكفّرا، أو يتوبا من ذلك ، فإذا خدشت المرأة وجهها ، أو جزّت شعرها ، أو نتفته ، ففي جزّ الشعر عتق رقبة ، أو صيام شهرين متتابعين ، أو إطعام ستّين مسكيناً ، وفي الخدش إذا دميت، وفي النتف كفّارة حنث يمين . .. إلخ(1) .
وقد استشكل(2) على الرواية بضعف السند من جهة الراوي ، ولكنّ الدلالة ظاهرة، كما أنّ الظاهر انجبار ضعف سند الرواية بعمل الأصحاب على طبقها، كما هو مقتضى التحقيق عندنا على ما مرّ مراراً، فاللازم الأخذ بها والفتوى على طبقها .
وأمّا كفّارة الإفاضة من عرفات قبل الغروب عامداً : فإنّها في الرتبة الأُولى هي البدنة ، ومع العجز عنها صيام ثمانية عشر يوماً ، وقد حقّقنا هذا الفرع في كتابنا في شرح تحرير الوسيلة من هذا الكتاب في باب الحجّ مفصّلا(3) ، وقد طبع مرّتين في إيران وغيرها ، فراجع .
- (1) تهذيب الأحكام 8 : 325 ح 1207 ، وعنه وسائل الشيعة 22 : 402 ، كتاب الإيلاء والكفّارات ، أبواب الكفّارات ب 31 ح 1 .
(2) المستشكل هو السيّد الخوئي (قدس سره) في المستند في شرح العروة 22: 239.
(3) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الحجّ 5 : 95 ـ 99 .
( الصفحة 314 )
بالمُدّين مع إيجابه النقص كما تقدّم ، ولو عجز عنه صام على الأحوط عن كلّ مدّ يوماً إلى الثلاثين ، وهي غاية كفّارته ، ولو عجز صام تسعة أيّام . وحمار الوحش كذلك ، والأحوط أنّه كالنعّامة .
وكفّارة صيد المُحرم الغزالَ ، فإنّها شاة ، وإن عجز عنها يفضّ ثمنها على الطعام، ويتصدّق على عشرة مساكين لكلّ مُدّ على الأقوى ، ومدّان على الأحوط. وحكم الزيادة والنقيصة ومورد الاحتياط كما تقدّم . ولو عجز صام على الأحوط عن كلّ مدّ يوماً إلى عشرة أيّام غاية كفّارته ، ولو عجز صام ثلاثة أيّام 1 .
1ـ ما أفاده من أنّ في صيد المحرم النعّامة بدنة ، وأ نّ في صيد المحرم البقر الوحشيّ بقرة ، وكذا في حمار الوحش ، وفي صيد الغزال شاة ، هو مقتضى الكتاب(1)والسنّة(2) المتظافرة ، ولكن حيث إنّ العمدة في هذا البحث بيان صوم الكفّارة الذي هو عنوان الباب ، ففي صورة العجز عن الكفّارة الأوّلية يفضّ الثمن على الطعام ، غاية الأمر أ نّه يتصدّق به على الستّين في البدنة ، وعلى الثلاثين في البقرة ، والعشرة في الغزال . ثمّ ينتقل إلى ثمانية عشر يوماً ، وتسعة أيّام ، وثلاثة أيّام ، واحتاط وجوباً في هذه الجهة .
والوجه في ذلك أنّه لا دليل قويّاً على وجوب الصوم، بل هو مقتضى الاحتياط الوجوبي ، كما أنّه احتاط استحباباً بالمدّين في كلّ واحد من الموارد الثلاثة ، والأمر في الزيادة والنقيصة ما ذكره فيها، كما لا يخفى ، والتحقيق الأزيد مذكور في كتاب الكفّارات (3).
- (1) سورة المائدة 5 : 95 .
(2) وسائل الشيعة 13: 5 ، كتاب الحجّ ، أبواب كفّارات الصيد ب 1.
(3) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، كتاب الكفّارات : 270 ـ 309 .